فصل: كتاب الصوم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ):

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ وَثِيَابِهِ وَأَثَاثِهِ وَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَعَبِيدِهِ) أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي خُطْبَتِهِ: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» رَوَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْرٍ الْعَدَوِيُّ أَوْ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لِعَدَمِ الْقَطْعِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ) صَدَقَةُ الْفِطْرِ لَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ، أَمَّا بِالزَّكَاةِ فَلِأَنَّهَا مِنْ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ مَعَ انْحِطَاطِ دَرَجَتِهَا عَنْ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا بِالصَّوْمِ فَبِاعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الْوُجُودِيِّ فَإِنَّ شَرْطَهَا الْفِطْرُ وَهُوَ بَعْدَ الصَّوْمِ.
قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ: وَإِنَّمَا رَجَّحَ هَذَا التَّرْتِيبَ لِمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْكَلَامِ هُوَ الْمُضَافُ لَا الْمُضَافُ إلَيْهِ، خُصُوصًا إذَا كَانَ مُضَافًا إلَى شَرْطِهِ، وَالصَّدَقَةُ عَطِيَّةٌ يُرَادُ بِهَا الْمَثُوبَةُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ بِهَا يَظْهَرُ صِدْقُ الرَّغْبَةِ فِي تِلْكَ الْمَثُوبَةِ كَالصَّدَاقِ يَظْهَرُ بِهِ صِدْقُ رَغْبَةِ الرَّجُلِ فِي الْمَرْأَةِ.
قَالَ (صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَاجِبَةٌ) الْوُجُوبُ هَاهُنَا عَلَى مَعْنَاهُ الِاصْطِلَاحِيِّ، وَهُوَ مَا يَثْبُتُ بِدَلِيلٍ فِيهِ شُبْهَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ.
وَقَوْلُهُ (فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ دَارٌ يَسْكُنُهَا وَأُخْرَى لَا يَسْكُنُهَا وَيُؤَاجِرُهَا أَوْ لَا يُؤَاجِرُهَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا فِي الْغَنِيِّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ.
وَقَوْلُهُ (وَعَبِيدُهُ) يَعْنِي الَّتِي لِلْخِدْمَةِ فَإِنَّ الَّتِي تَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فِيهَا الزَّكَاةُ.
وَقَوْلُهُ (صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ) صِفَتَانِ لِعَبْدٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا صِفَتَيْنِ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ لِأَنَّهُ لَا تَجِبُ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ وَلَدِهِ الْكَبِيرِ، وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ لِوُجُوبِهَا وَسَبَبِ وُجُوبِهَا وَشَرْطِهَا وَمِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَبَيَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ تَجِبُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ (رَوَاهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ صُعَيْرٍ الْعَدَوِيُّ أَوْ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيُّ) قَالَ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعُذْرِيُّ يَعْنِي بِالْعَيْنِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَصَحُّ مَنْسُوبٌ إلَى بَنِي عُذْرَةَ اسْمِ قَبِيلَةٍ، وَالْعَدَوِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى عَدِيٍّ وَهُوَ جَدُّهُ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ كُنْيَةُ أَبِي صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ. وَشَرْطُ الْحُرِّيَّةِ لِيَتَحَقَّقَ التَّمْلِيكُ وَالْإِسْلَامُ لِيَقَعَ قُرْبَةً، وَالْيَسَارُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: تَجِبُ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ زِيَادَةً عَنْ قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَقَدْرُ الْيَسَارِ بِالنِّصَابِ لِتَقْدِيرِ الْغِنَى فِي الشَّرْعِ بِهِ فَاضِلًا عَمَّا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْمُسْتَحَقُّ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ كَالْمَعْدُومِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّمُوُّ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا النِّصَابِ حِرْمَانُ الصَّدَقَةِ وَوُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَالْفِطْرَةِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» أَيْ صَادِرَةً عَنْ غِنًى، فَالظَّهْرُ فِيهِ مَقْحَمٌ كَمَا فِي ظَهْرِ الْقَلْبِ الْغَيْبُ (وَهُوَ) أَيْ الْحَدِيثُ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إيجَابِهِ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ الزِّيَادَةَ عَلَى قُوتِ يَوْمِهِ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ) اسْتِدْلَالًا بِمَا ذُكِرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ، لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ إمَّا عَلَى مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ اُنْتُسِخَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إنَّمَا الصَّدَقَةُ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» وَإِمَّا عَلَى النَّدْبِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: «أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ، وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيُعْطِيهِ اللَّهُ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ».
وَقَوْلُهُ (وَقُدِّرَ الْيَسَارُ بِالنِّصَابِ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النُّمُوُّ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ بِمَالٍ نَامٍ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُمَكِّنَةِ، وَالنُّمُوُّ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَكُونُ وُجُوبُهُ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسِّرَةِ كَالزَّكَاةِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ.
وَقَوْلُهُ (وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا النِّصَابِ) يُشِيرُ إلَى وُجُودِ نَصِيبٍ قِيلَ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ: نِصَابٌ يُشْتَرَطُ فِيهِ النَّمَاءُ تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَنِصَابٌ يَجِبُ بِهِ أَحْكَامٌ أَرْبَعَةٌ: حُرْمَةُ الصَّدَقَةِ، وَوُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ النَّمَاءُ لَا بِالتِّجَارَةِ وَلَا بِالْحَوْلِ.
وَنِصَابٌ يَثْبُتُ بِهِ حُرْمَةُ السُّؤَالِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ عِنْدَ بَعْضٍ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمْلِكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. قَالَ (يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» الْحَدِيثَ (وَ) يُخْرِجُ عَنْ (أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ) لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ زَكَاةُ الرَّأْسِ، وَهِيَ أَمَارَةُ السَّبَبِيَّةِ، وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتُهُ، وَلِهَذَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْيَوْمِ، وَالْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ رَأْسُهُ وَهُوَ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ كَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ لِأَنَّهُ يُمَوِّنُهُمْ وَيَلِي عَلَيْهِمْ (وَمَمَالِيكِهِ) لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ، وَهَذَا إذَا كَانُوا لِلْخِدْمَةِ وَلَا مَالَ لِلصِّغَارِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يُؤَدِّي مِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُؤْنَةِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (يُخْرِجُ ذَلِكَ) أَيْ الْمِقْدَارَ الْمَذْكُورَ عَنْ نَفْسِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى» وَالْحُرِّ وَالْمَمْلُوكِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ السَّبَبَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ زَكَاةُ الرَّأْسِ وَهِيَ) أَيْ الْإِضَافَةُ (أَمَارَةُ السَّبَبِيَّةِ) لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ.
وَأَقْوَى وُجُوهِهِ إضَافَةُ الْمُسَبَّبِ إلَى سَبَبِهِ لِحُدُوثِهِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ الْإِضَافَةُ أَمَارَةَ السَّبَبِيَّةِ لَكَانَ الْفِطْرُ سَبَبًا لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ يُقَالُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَكُمْ.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْإِضَافَةُ إلَى الْفِطْرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَقْتُهُ) فَكَانَتْ إضَافَةً مَجَازِيَّةً (وَلِهَذَا تَتَعَدَّدُ) الصَّدَقَةُ بِتَعَدُّدِ الرَّأْسِ مَعَ اتِّحَادِ الْيَوْمِ فَعُلِمَ أَنَّ الرَّأْسَ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْوَقْتِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَقْتِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا مَعَ اتِّحَادِ الرَّأْسِ وَلَوْ كَانَ الرَّأْسُ هُوَ السَّبَبَ لَمَا كَانَ الْوُجُوبُ مُتَكَرِّرًا مَعَ اتِّحَادِهِ.
أُجِيبَ: بِأَنَّ الرَّأْسَ إنَّمَا جُعِلَ سَبَبًا بِوَصْفِ الْمُؤْنَةِ وَهِيَ تَتَكَرَّرُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَصَارَ الرَّأْسُ بِاعْتِبَارِ تَكَرُّرِ وَصْفِهِ كَالْمُتَكَرِّرِ بِنَفْسِهِ حُكْمًا فَكَانَ السَّبَبُ هُوَ التَّكَرُّرَ حُكْمًا.
وَقَوْلُهُ (وَالْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ رَأْسُهُ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَمَمَالِيكِهِ) بِالْجَرِّ يَتَنَاوَلُ الْعَبِيدَ وَالْمُدَبَّرِينَ وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ دُونَ الْمُكَاتَبِينَ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
وَقَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ يُؤَدَّى مِنْ مَالِهِمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ) وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: وَهُوَ الْقِيَاسُ لَا يُؤَدَّى إلَّا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، وَلَوْ أَدَّى مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ضَمِنَ لِأَنَّهَا زَكَاةٌ فِي الشَّرِيعَةِ كَزَكَاةِ الْمَالِ، فَلَا تَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَالصَّغِيرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِوُجُوبِهَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الشَّرْعَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْمُؤْنَةِ حَيْثُ أَوْجَبَ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ النَّفَقَةَ، وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ وَكَمَا يُؤَدَّى عَنْ الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ فَكَذَلِكَ عَنْ مَمَالِيكِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّغِيرِ. (وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيهَا فِي غَيْرِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَلَا يُمَوِّنُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ.
(وَلَا عَنْ أَوْلَادِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمْ أَوْ عَنْ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِمْ أَجْزَأَهُ اسْتِحْسَانًا لِثُبُوتِ الْإِذْنِ عَادَةً.
الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَلَا يُؤَدِّي عَنْ زَوْجَتِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُؤَدِّيَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَنْ زَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ».
وَهُوَ يُمَوِّنُ زَوْجَتَهُ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَوَجْهُهُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْمُؤْنَةَ مُطْلَقَةً، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا كَامِلَةً لِأَنَّهُ يُمَوِّنُهَا فِي غَيْرِ الرَّوَاتِبِ كَالْمُدَاوَاةِ، وَكَذَلِكَ لابد مِنْ الْوِلَايَةِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ فِي حُقُوقِ النِّكَاحِ.
(وَلَا) يُؤَدِّي (عَنْ أَوْلَادِهِ الْكِبَارِ وَإِنْ كَانُوا فِي عِيَالِهِ) بِأَنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ زَمْنَى لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمْ وِلَايَةً فَصَارُوا كَالْأَجَانِبِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَدَّى عَنْهُمْ) ظَاهِرٌ، وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ كَمَا إذَا أَدَّى الزَّكَاةَ بِغَيْرِ إذْنِهَا.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصَّدَقَةَ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَسْقُطَ بِأَدَاءِ الْغَيْرِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِذْنُ صَرِيحًا، وَفِي الْعَادَةِ أَنَّ الزَّوْجَ هُوَ الَّذِي يُؤَدِّي عَنْهَا فَكَانَ الْإِذْنُ ثَابِتًا عَادَةً، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَصِحُّ بِدُونِ الْإِذْنِ صَرِيحًا (وَلَا) يُخْرِجُ (عَنْ مُكَاتَبِهِ) لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ وَلَا الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ.
وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وِلَايَةُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ فَيُخْرِجُ عَنْهُمَا.
الشَّرْحُ:
(وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مُكَاتَبَةِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ) وَلِأَنَّهُ لَا يُمَوِّنُهُ (وَلَا الْمُكَاتَبُ عَنْ نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مَالًا.
وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلْكِ الْمَالِ.
وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ عَلَى وَجْهٍ لَمْ نُسْبَقْ إلَيْهِ فَلْيُطْلَبْ ثَمَّةَ.
(وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وِلَايَةُ الْمَوْلَى ثَابِتَةٌ) لِأَنَّهَا لَا تُعْدَمُ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَإِنَّمَا تَخْتَلُّ الْمَالِيَّةُ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا هَاهُنَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَلَا مَالِيَّةَ فِيهِمْ (وَلَا) يُخْرِجُ (عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّ عِنْدَهُ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَبْدِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَوْلَى فَلَا تَنَافِي، وَعِنْدَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِهِ كَالزَّكَاةِ فَيُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ.
الشَّرْحُ:
(وَلَا يُخْرِجُ عَنْ مَمَالِيكِهِ لِلتِّجَارَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ وُجُوبَهَا عَلَى الْعَبْدِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمَوْلَى) فَهُمَا حَقَّانِ ثَابِتَانِ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ (فَلَا تَنَافِي) بَيْنَهُمَا فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا (وَعِنْدَنَا وُجُوبُهَا عَلَى الْمَوْلَى بِسَبَبِ الْعَبْدِ كَالزَّكَاةِ) فَلَوْ أَوْجَبْنَاهَا عَلَيْهِ أَدَّى إلَى الثَّنْيِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ثُنْيَا فِي الصَّدَقَةِ» وَالثَّنْيُ مَكْسُورٌ مَقْصُورٌ: أَيْ لَا تُؤْخَذُ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: سَبَبُ الزَّكَاةِ فِيهِمْ الْمَالِيَّةُ وَسَبَبُ الصَّدَقَةِ مُؤْنَةُ رُءُوسِهِمْ وَمَحَلُّ الزَّكَاةِ بَعْضُ النِّصَابِ، وَمَحَلُّ الصَّدَقَةِ الذِّمَّةُ، فَإِذَا هُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ سَبَبًا وَمَحَلًّا فَلَا يُؤَدِّي إلَى الثَّنْيِ لِأَنَّ الثَّنْيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَثْنِيَةِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَهُمَا شَيْئَانِ فَكَانَا كَنَفَقَةِ عَبِيدِ التِّجَارَةِ مَعَ الزَّكَاةِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الشَّرْعَ بَنَى هَذِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى الْمُؤْنَةِ فَقَالَ: «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» وَهَذِهِ الْعَبِيدُ مُعَدَّةٌ لِلتِّجَارَةِ لَا لِلْمُؤْنَةِ، وَالنَّفَقَةُ الَّتِي يَغْرَمُهَا فِيهِمْ لِطَلَبِ الزِّيَادَةِ مِنْهُمْ فَتَكُونُ سَاقِطَةَ الْعِبْرَةِ بِحُكْمِ الْقَصْدِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُضَارِبَ يَمْلِكُ هَذَا الْإِنْفَاقَ وَهُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ إلَّا بِالتِّجَارَةِ، وَإِذَا سَقَطَتْ الْمُؤْنَةُ حُكْمًا فِي مَالِ التِّجَارَةِ أَشْبَهَ السُّقُوطَ حَقِيقَةً، وَلَوْ سَقَطَتْ حَقِيقَةً بِالْإِبَاقِ أَوْ الْغَصْبِ أَوْ الْكِتَابَةِ سَقَطَتْ الصَّدَقَةُ لِعَدَمِ الْمُؤْنَةِ فَكَذَا هَذَا، فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ سُقُوطَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ هَاهُنَا لِزَوَالِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُؤْنَةُ لَا لِتَنَافٍ بَيْنَ الْوَاجِبَيْنِ. (وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ وَهُمَا يَرَيَانِهِمَا، وَقِيلَ: هُوَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ النَّصِيبُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ تَتِمَّ الرَّقَبَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ) لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ» الْحَدِيثَ وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ، وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَبْدِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ بِالِاتِّفَاقِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَالْعَبْدُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا فِطْرَةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوِلَايَةَ وَالْمُؤْنَةَ الْكَامِلَتَيْنِ سَبَبٌ وَلَمْ يُوجَدَا.
وَقَوْلُهُ (وَكَذَا الْعَبِيدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) يَعْنِي لَا تَجِبُ الصَّدَقَةُ (عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الرُّءُوسِ دُونَ الْأَشْقَاصِ) أَيْ الْكُسُورِ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَعْبُدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ الْعَبْدَيْنِ وَلَا تَجِبُ عَنْ الْخَامِسِ.
أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَبْرًا فَلَا يَمْلِكُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُسَمَّى عَبْدًا، وَمُحَمَّدٌ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَرَى قِسْمَةَ الرَّقِيقِ جَبْرًا، وَبِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ مِلْكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الْبَعْضِ مُتَكَامِلٌ، وَإِلْحَاقُ أَبِي يُوسُفَ بِمُحَمَّدٍ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَمَالِيكُ لِلْخِدْمَةِ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْهُمْ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ فِي حِصَّتِهِ إذَا كَانَتْ كَامِلَةً فِي نَفْسِهَا، وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ مُضْطَرِبٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعُذْرُهُ أَنَّ الْقِسْمَةَ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ.
فَأَمَّا وُجُوبُ الصَّدَقَةِ فَيَنْبَنِي عَلَى الْوِلَايَةِ وَالْمُؤْنَةِ لَا عَلَى الْمِلْكِ حَتَّى تَجِبُ الصَّدَقَةُ فِيمَا لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى شَيْءٍ عَمَّنْ هَذِهِ الرُّءُوسِ كَمَا تَقَدَّمَ وَوَجْهُ قَوْلِهِ: إذَا كَانَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ هُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ (وَهُمَا يَرَيَانِهَا وَقِيلَ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ عَدَمُ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ فِي الْعَبِيدِ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِإِجْمَاعِ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا تَتِمُّ الرَّقَبَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ.
وَقَوْلُهُ (وَيُؤَدِّي الْمُسْلِمُ الْفِطْرَةَ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ (عَنْ عَبْدِهِ الْكَافِرِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» (وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «أَدُّوا عَنْ كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ مَجُوسِيٍّ» الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَحَقَّقَ) وَهُوَ رَأْسٌ يُمَوِّنُهُ بِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ (وَالْمَوْلَى مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، لَا يُقَالُ إضْمَارٌ قَبْلَ الذِّكْرِ لِأَنَّ الشُّهْرَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الذِّكْرِ (وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ يَسْتَدِلُّ لِإِثْبَاتِ هَذَا الْأَصْلِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَرَضَ صَدَقَةً عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ» فَإِنَّ كَلِمَةَ «عَلَى» لِلْإِيجَابِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَدُّوا عَمَّنْ تَمُونُونَ» فَإِنَّ الْوُجُوبَ عَلَى مَنْ خُوطِبَ بِالْأَدَاءِ وَهُمْ الْمَوَالِي، وَكَلِمَةُ «عَلَى» فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِمَعْنَى عَنْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى «إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ» أَيْ عَنْ النَّاسِ (لَوْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَلَا وُجُوبَ بِالِاتِّفَاقِ) أَمَّا عِنْدَنَا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَلَا لِلْأَدَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِأَنَّ تَحَمُّلَ الْمَوْلَى عَنْ مَمْلُوكِهِ يَسْتَدْعِي أَهْلِيَّةَ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَالْكَافِرُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهُ، وَالْوُجُوبُ عِنْدَهُ بِاعْتِبَارِ تَحَمُّلِ الْمَوْلَى الْأَدَاءَ عَنْهُ، فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمَمْلُوكِ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا (وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) مَعْنَاهُ إذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ، وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّهُ مِنْ وَظَائِفِهِ كَالنَّفَقَةِ، وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ لِأَنَّهُ لَوْ رُدَّ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَيَتَوَقَّفُ مَا يَبْتَنِي عَلَيْهِ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ فَلَا تَقْبَلُ التَّوَقُّفَ، وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
الشَّرْحُ:
(وَمَنْ بَاعَ عَبْدًا وَأَحَدُهُمَا بِالْخِيَارِ فَفِطْرَتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ لَهُ) حَقٌّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ فَعَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اُنْتُقِضَ فَعَلَى الْبَائِعِ.
وَقَوْلُهُ (مَعْنَاهُ إذَا مَرَّ يَوْمُ الْفِطْرِ وَالْخِيَارُ بَاقٍ) قَالَ الْإِمَامُ حُمَيْدُ الدِّينِ الضَّرِيرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِهِ: هَذَا مِنْ قَبِيلِ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ لِأَنَّ مُضِيَّ كُلِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ (وَقَالَ زُفَرُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ) لِأَنَّ سَبَبَ الصَّدَقَةِ الْوِلَايَةُ الْكَامِلَةُ وَالْوِلَايَةُ الْكَامِلَةُ لِمَنْ لَهُ الْخِيَارُ، لِأَنَّهُ إنْ أَجَازَهُ تَمَّ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ انْفَسَخَ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ) وَهُوَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي كَخِيَارِ الْعَيْبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (لِأَنَّهُ) أَيْ صَدَقَةَ الْفِطْرِ بِمَعْنَى التَّصَدُّقِ (مِنْ وَظَائِفِهِ) أَيْ الْمِلْكِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْمَالِكِ (كَالنَّفَقَةِ) فَإِنَّهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عَلَى الْمَالِكِ (وَلَنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ) يَعْنِي سَلَّمْنَا أَنَّهَا وَظِيفَةُ الْمِلْكِ لَكِنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ (لِأَنَّهُ لَوْ رُدَّ لَعَادَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلَوْ أُجِيزَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ) وَكُلُّ مَا كَانَ مَوْقُوفًا فَالْمُبْتَنَى عَلَيْهِ كَذَلِكَ لِأَنَّ التَّرَدُّدَ فِي الْأَصْلِ يَسْتَلْزِمُ التَّرَدُّدَ فِي الْفَرْعِ (بِخِلَافِ النَّفَقَةِ) فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ تَنْبَنِي عَلَى الْمِلْكِ لَكِنَّهَا تَثْبُتُ (لِلْحَاجَةِ النَّاجِزَةِ) أَيْ الْوَاقِعَةِ فِي الْحَالِ (فَلَا تَقْبَلُ التَّوَقُّفَ)، وَهَذَا الْجَوَابُ بِطَرِيقِ التَّنَزُّلِ لَا بِحَسَبِ الْوَاقِعِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَظِيفَةُ الْمِلْكِ لَمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ، (وَزَكَاةُ التِّجَارَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ لِلتِّجَارَةِ فَبَاعَهُ بِعُرُوضِ التِّجَارَةِ عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فَحَالَ الْحَوْلُ وَالْخِيَارُ بَاقٍ فَزَكَاتُهُ عَلَى مَنْ يَصِيرُ الْمِلْكُ لَهُ، أَوْ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، أَوْ عَلَى مَنْ لَهُ الْمِلْكُ لِأَنَّ الْعُرُوضَ بَدَلُ الْعَبْدِ، وَحَوَلَانُ الْحَوْلِ عَلَى الْبَدَلِ كَحَوَلَانِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ كَذَا نُقِلَ عَنْ حُمَيْدِ الدِّينِ الضَّرِيرِ.
وَقِيلَ: صُورَتُهُ رَجُلَانِ لِأَحَدِهِمَا عِشْرُونَ دِينَارًا وَلِآخَرَ عَرَضٌ يُسَاوِيهِ فِي الْقِيمَةِ وَمَبْدَأُ حَوْلِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَفِي آخِرِ الْحَوْلِ بَاعَ صَاحِبُ الْعَرْضِ عَرْضَهُ مِنْ الْآخَرِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، فَازْدَادَ قِيمَةُ الْعَرْضِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ، ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ، فَإِنْ تَقَرَّرَ الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ يَجِبُ عَلَيْهِ بِحِصَّةِ الزِّيَادَةِ شَيْءٌ وَإِنْ تَقَرَّرَ لِلْمُشْتَرِي يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَنَا.

.(فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ):

(الْفِطْرَةُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، الزَّبِيبُ بِمَنْزِلَةِ الشَّعِيرِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْأَوَّلُ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ صَاعٌ لِحَدِيثِ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا.
وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ أَنَّهُ وَالتَّمْرُ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ، وَلَهُ أَنَّهُ وَالْبُرُّ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلُّهُ، بِخِلَافِ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُؤْكَلُ وَيُلْقَى مِنْ التَّمْرِ النَّوَاةُ وَمِنْ الشَّعِيرِ النُّخَالَةُ، وَبِهَذَا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ، وَمُرَادُهُ مِنْ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ، أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ فَكَالشَّعِيرِ، الْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى الدَّقِيقِ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَوَقْتِهِ): لَمَّا ذَكَرَ وُجُوبَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَشُرُوطَهُ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ تَجِبُ عَنْهُ شَرَعَ فِي بَيَانِ مَا يُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَقَدْرُهُ وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) رُوِيَ «عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ: كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ الطَّعَامِ أَوْ صَاعًا مِنْ التَّمْرِ أَوْ صَاعًا مِنْ الشَّعِيرِ» (وَلَنَا مَا رَوَيْنَا) يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ (وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِمْ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ أَدَاءَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الزِّيَادَةِ تَطَوُّعًا) وَقَوْلُهُ (وَلَهُمَا فِي الزَّبِيبِ أَنَّهُ) أَيْ الزَّبِيبَ (وَالتَّمْرُ يَتَقَارَبَانِ فِي الْمَقْصُودِ) وَهُوَ التَّفَكُّهُ وَالِاسْتِحْلَاءُ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ التَّمْرَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ حُلْوٌ مَأْكُولٌ وَلَهُ عَجَمٌ كَمَا لِلتَّمْرِ نَوًى.
وَقَوْلُهُ (وَمُرَادُهُ) أَيْ مُرَادُ مُحَمَّدٍ أَوْ صَاحِبِ الْقُدُورِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ دَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ (مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْبُرِّ أَمَّا دَقِيقُ الشَّعِيرِ) فَكَعَيْنِهِ (وَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاعَى فِيهِمَا) أَيْ فِي الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ (الْقَدْرُ وَالْقِيمَةُ احْتِيَاطًا) حَتَّى إذَا كَانَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِمَا تَتَأَدَّى بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَبِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَأَمَّا لَوْ أَدَّى مَنًّا وَنِصْفَ مَنٍّ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ وَلَكِنْ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَدَّى نِصْفَهُ مِنْ دَقِيقِ الْبُرِّ، وَلَكِنْ لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ لَا يَكُونُ عَامِلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ نَصَّ عَلَى دَقِيقٍ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ) يُرِيدُ بِهِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَدُّوا قَبْلَ خُرُوجِكُمْ زَكَاةَ فِطْرِكُمْ فَإِنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُدَّيْنِ مِنْ قَمْحٍ أَوْ دَقِيقِهِ» وَقَوْلُهُ (وَلَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ) أَيْ مُرَاعَاةَ الِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا بِالْقَدْرِ وَالْقِيمَةِ لَمْ يُبَيِّنْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ) فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ الدَّقِيقِ تُسَاوِي نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَزِيدُ، وَإِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ وَقْتُ الْبَذْرِ فَلِذَلِكَ أَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ حَتَّى إنْ وَقَعَ ذَلِكَ يَزِيدُ مِنْ الدَّقِيقِ إلَى أَنْ تَبْلُغَ قِيمَتُهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ الْبُرِّ وَالْخُبْزُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَيْلًا وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ، وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَأَعْجَلُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ».
وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ» وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ، وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ.
الشَّرْحُ:
(وَالْخُبْزُ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ هُوَ الصَّحِيحُ) خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْخُبْزِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْخُبْزِ نَصٌّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الذُّرَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إبْطَالَ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمُؤَدَّى، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالنُّصُوصِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ ذَلِكَ (ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ) لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّقْدِيرِ بِمَا يَعْدِلُ بِالْوَزْنِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَزْنِ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا.
قَالَ قُلْت لَهُ: لَوْ وَزَنَ الرَّجُلُ مَنَوَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَعْطَاهُمَا الْفَقِيرَ هَلْ يَجُوزُ مِنْ صَدَقَتِهِ فَقَالَ: لَا فَقَدْ تَكُونُ الْحِنْطَةُ ثَقِيلَةً فِي الْوَزْنِ، وَقَدْ تَكُونُ خَفِيفَةً فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ نِصْفُ الصَّاعِ كَيْلًا لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالتَّقْدِيرِ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمِكْيَالِ.
وَقَوْلُهُ (وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ) وَاضِحٌ.
قَالَ: (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ مَا يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالرِّطْلِ الْعِرَاقِيِّ كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ أَسْتَارًا وَالْإِسْتَارُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ»).
وَهَذَا أَصْغَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ.
وَلَنَا مَا رَوَى أَنَسٌ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ» وَهَكَذَا كَانَ صَاعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وَكَانَ قَدْ فُقِدَ فَأَخْرَجَهُ الْحَجَّاجُ وَكَانَ يَمُنُّ عَلَى أَهْلِ الْعِرَاقِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ: يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ، يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ، أَلَمْ أُخْرِجْ لَكُمْ صَاعَ عُمَرَ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ حَجَّاجِيًّا وَهُوَ صَاعُ الْعِرَاقِ.
وَقَوْلُهُ (وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ) جَوَابٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: يَعْنِي إنْ صَحَّ مَا رَوَيْتُمْ فَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْ الْهَاشِمِيِّ، لِأَنَّ الصَّاعَ الْهَاشِمِيَّ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ رِطْلًا (وَكَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ الْهَاشِمِيَّ) وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ الْعِرَاقِيَّ وَقَالَ: «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ». وَقَالَ (وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ فِطْرَتُهُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ، وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ.
لَهُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْفِطْرِ وَهَذَا وَقْتُهُ.
وَلَنَا أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلِاخْتِصَاصِ، وَالِاخْتِصَاصُ الْفِطْرُ بِالْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ النَّاسُ الْفُطْرَةَ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى) «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُخْرِجُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ لِلْمُصَلَّى»، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِغْنَاءِ كَيْ لَا يَتَشَاغَلَ الْفَقِيرُ بِالْمَسْأَلَةِ عَنْ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بِالتَّقْدِيمِ (فَإِنْ قَدَّمُوهَا عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ جَازَ) لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ، وَلَا تَفْصِيلَ بَيْنَ مُدَّةٍ وَمُدَّةٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي الْعُشْرِ الْأَخِيرِ (وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) لِأَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَوُجُوبُ الْفِطْرَةِ يَتَعَلَّقُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ) يَعْنِي تَعَلَّقَ وُجُوبُ الْأَدَاءِ بِالشَّرْطِ، فَهُوَ مِنْ تَعَلُّقِ الْمَشْرُوطِ بِالشَّرْطِ لَا مِنْ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ، حَتَّى إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ: إذَا جَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ فَأَنْتَ حُرٌّ، فَجَاءَ يَوْمُ الْفِطْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ فِطْرِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ بِلَا فَصْلٍ، لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ يَعْقُبُ الشَّرْطَ فِي الْوُجُودِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بِغُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى إنَّ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ وُلِدَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرَةُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَهُ لَا تَجِبُ) وَقَوْلُهُ (وَعَلَى عَكْسِهِ مَنْ مَاتَ فِيهَا مِنْ مَمَالِيكِهِ أَوْ وَلَدِهِ) أَيْ عِنْدَنَا لَا تَجِبُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْفِطْرِ.
وَعِنْدَهُ تَجِبُ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ وُجُوبِهِ وَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ حَيٌّ (لَهُ أَنَّهُ) أَيْ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ (يَخْتَصُّ بِالْفِطْرِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ» (وَهَذَا وَقْتُهُ) أَيْ وَقْتُ الْفِطْرِ (وَلَنَا أَنَّ) الصَّدَقَةَ أُضِيفَتْ إلَى الْفِطْرِ.
وَ (الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالِاخْتِصَاصُ لِلْفِطْرِ بِالْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ) إذْ الْمُرَادُ فِطْرٌ يُضَادُّ الصَّوْمَ وَهُوَ فِي الْيَوْمِ دُونَ اللَّيْلِ، لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ حَرَامٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفِطْرَ كَانَ يُوجَدُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ بِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يُضَادُّ الصَّوْمَ.
وَقَوْلُهُ (وَالْمُسْتَحَبُّ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَخَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ وَنُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ فَإِنَّ الْحَسَنَ بْنَ زِيَادٍ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا أَصْلًا كَالْأُضْحِيَّةِ، وَقَالَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا بَعْدَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ فَإِنَّهَا صَدَقَةُ الْفِطْرِ وَلَا فِطْرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ.
وَقَالَ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ: يَجُوزُ تَعْجِيلُهَا فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ بِمُضِيِّ النِّصْفِ قَرُبَ الْفِطْرُ الْخَاصُّ فَأَخَذَ حُكْمَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَوَجْهُ الصِّحَّةِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّهُ أَدَّى بَعْدَ تَقَرُّرِ السَّبَبِ فَأَشْبَهَ التَّعْجِيلَ فِي الزَّكَاةِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ أَدَّى عَنْ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَخَّرُوهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ لَمْ تَسْقُطْ) يَعْنِي وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ (وَكَانَ عَلَيْهِمْ إخْرَاجُهَا) وَقَالَ الْحَسَنُ: تَسْقُطُ بِمُضِيِّ يَوْمِ الْفِطْرِ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ اُخْتُصَّتْ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَكَانَتْ كَالْأُضْحِيَّةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ أَيَّامِ النَّحْرِ، وَلَنَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّ وَجْهَ الْقُرْبَةِ فِيهَا مَعْقُولٌ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ مَالِيَّةٌ وَهِيَ قُرْبَةٌ مَشْرُوعَةٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَلِلْإِغْنَاءِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ (فَلَا يَتَقَدَّرُ وَقْتُ الْأَدَاءِ فِيهَا) بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ فَلَا تَسْقُطُ بَعْدَ الْوُجُوبِ إلَّا بِالْأَدَاءِ كَالزَّكَاةِ (بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ) فَإِنَّ الْقُرْبَةَ فِيهَا إرَاقَةُ الدَّمِ وَهِيَ لَمْ تُعْقَلْ قُرْبَةً، وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ قُرْبَةً فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ.

.كتاب الصوم:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ وَنَفْلٌ، وَالْوَاجِبُ ضَرْبَانِ: مِنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَيَجُوزُ صَوْمُهُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَهُ النِّيَّةُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُجْزِيهِ.
اعْلَمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى «كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ» وَعَلَى فَرْضِيَّتِهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَلِهَذَا يَكْفُرُ جَاحِدُهُ، وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى «وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ» وَسَبَبُ الْأَوَّلِ الشَّهْرُ وَلِهَذَا يُضَافُ إلَيْهِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِوُجُوبِ صَوْمِهِ، وَسَبَبُ الثَّانِي النَّذْرُ.
الشَّرْحُ:
كِتَابُ الصَّوْمِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كِتَابَ الصَّوْمِ عَقِيبَ كِتَابِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ، وَأَخَّرَهُ عَنْ الزَّكَاةِ هَاهُنَا لِأَنَّهُ كَالْوَسِيلَةِ لِلصَّلَاةِ بِاعْتِبَارِ ارْتِيَاضِ النَّفْسِ وَلَكِنْ لَا عَلَى وَجْهٍ يَتَوَقَّفُ أَمْرُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وُجُودًا أَوْ جَوَازًا كَمَا كَانَتْ الطَّهَارَةُ كَذَلِكَ فَأَخَّرَ عَنْهَا حَطًّا لِرُتْبَةِ الْوَسِيلَةِ عَنْ الْمَقْصُودِ، وَلَوْ قِيلَ: قَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ ذِكْرَ الصَّلَاةِ بِالزَّكَاةِ فِي قَوْله تَعَالَى «أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ» فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِالْكِتَابِ أَوْلَى كَانَ أَسْهَلَ مَأْخَذًا، وَيَحْتَاجُ هَاهُنَا إلَى مَعْرِفَةِ تَفْسِيرِ الصَّوْمِ لُغَةً وَشَرْعًا، وَمَعْرِفَةِ سَبَبِهِ وَشَرْطِهِ وَرُكْنِهِ وَحُكْمِهِ، وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَكْثَرِهَا وَالْفَطِنُ يَكْتَفِي بِذَلِكَ.
قَالَ (الصَّوْمُ ضَرْبَانِ: وَاجِبٌ، وَنَفْلٌ) ذَكَرَ التَّقْسِيمَ قَبْلَ التَّعْرِيفِ لِيَسْهُلَ أَمْرُ التَّعْرِيفِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الصَّوْمِ شَرْعًا تَنْقَسِمُ إلَى فَرْضٍ وَوَاجِبٍ وَنَفْلٍ، وَتَعْرِيفُهَا عَلَى وَجْهٍ يَشْمَلُهَا عَسِيرٌ، فَإِذَا ذَكَرَ أَقْسَامَهَا سَهُلَ أَمْرُ تَعْرِيفِهَا، وَكَلَامُهُ وَاضِحٌ غَيْرَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْوَاجِبَ فِي لَفْظِ الْمُخْتَصَرِ، وَأُرِيدَ بِهِ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ، وَفِي ذَلِكَ الْمَحْذُورِ الْمَعْرُوفِ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بِالْوَاجِبِ الثَّابِتَ عَيْنًا فَيَنْدَفِعُ الْمَحْذُورُ، وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ بِلَا تَشْدِيدٍ وَمَعْنَاهُ يُحْكَمُ بِكُفْرِ جَاحِدِهِ، وَمِنْهُ لَا تُكَفِّرْ أَهْلَ قِبْلَتِك أَيْ لَا تَدْعُهُمْ كُفَّارًا.
وَقَوْلُهُ وَالْمَنْذُورُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْوُجُوبِ، فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ فَرْضًا لِكَوْنِهِ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ خُصَّ مِنْ الْآيَةِ بِالِاتِّفَاقِ الْمَنْذُورُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ شَرْعًا كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، أَوْ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فِي الْعِبَادَةِ كَالنَّذْرِ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالنَّذْرِ بِالْمَعْصِيَةِ، فَلَمَّا خُصَّتْ هَذِهِ الْمَوَاضِعُ بَقِيَ الْبَاقِي حُجَّةً مُجَوِّزَةً لَا مُوجِبَةً قَطْعًا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ التَّخْصِيصِ الْمُقَارَنَةَ، وَالْمُخَصِّصُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَضْلًا عَنْ مَعْرِفَةِ كَوْنِهِ مُقَارِنًا أَوْ لَا، وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} خُصَّ مِنْهُ الْمَجَانِينُ الصِّبْيَانُ وَأَصْحَابُ الْأَعْذَارِ وَلَمْ يَنْتَفِ بِهِ عَنْهُ إثْبَاتُ الْفَرِيضَةِ، وَأَقُولُ فِي الْجَوَابِ عَنْ الْأَوَّلِ: إنَّ الْأَمْرَ لِتَفْرِيغِ الذِّمَّةِ عَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالسَّبَبِ، فَإِنْ كَانَ السَّبَبُ مِنْ الشَّارِعِ كَشُهُودِ الشَّهْرِ فِي رَمَضَانَ يَكُونُ الثَّابِتُ بِهِ فَرْضًا، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَبْدِ يَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي الْمَنْذُورِ فَرْقًا بَيْنَ إيجَابِ الرَّبِّ وَعَبْدِهِ، ثُمَّ الْأَمْرُ الْوَارِدُ مِنْ الشَّارِعِ يَكُونُ لِأَدَاءِ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِيُوفُوا مُفِيدًا لِلْفَرْضِيَّةِ، كَمَا أَفَادَهَا لِيَصُمْهُ لِاخْتِلَافِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْ الْجَوَابِ عَنْ الثَّانِي.
وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ: إنَّ الْعَقْلَ دَلَّ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ فَلَا يَكُونُونَ دَاخِلِينَ فَلَا يَكُونُ ثَمَّةَ تَخْصِيصٌ، (وَسَبَبُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي الْفَرْضَ (الشَّهْرُ لِأَنَّهُ يُضَافُ إلَيْهِ) وَالْإِضَافَةُ دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ) فَإِنَّهُ كُلَّمَا دَخَلَ رَمَضَانُ وَجَبَ صَوْمُهُ، وَذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلُ السَّبَبِيَّةِ (وَكُلُّ يَوْمٍ سَبَبُ وُجُوبِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ) لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ بِمَنْزِلَةِ عِبَادَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ يَوْمَيْنِ زَمَانٌ لَا يَصْلُحُ لِلصَّوْمِ لَا قَضَاءً وَلَا أَدَاءً وَهُوَ اللَّيَالِي فَصَارَ كَالصَّلَوَاتِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ فِي السَّبَبِيَّةِ سَوَاءٌ، وَقَدْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ.
وَقَوْلُهُ (وَسَبَبُ الثَّانِي) أَيْ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ (النَّذْرُ) وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ وَسَنُبَيِّنُهُ وَتَفْسِيرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ لِفَقْدِ النِّيَّةِ فَسَدَ الثَّانِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ بِخِلَافِ النَّفْلِ لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ.
وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعْدَمَا شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلَنَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ، أَوْ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ، وَهَذَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ وَالنِّيَّةُ لِتَعْيِينِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَتَرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ جَنْبَةُ الْوُجُودِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ لَهُمَا أَرْكَانًا فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا، وَبِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ وَبِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ اقْتِرَانُهَا بِالْأَكْثَرِ فَتَرَجَّحَتْ جَنْبَةُ الْفَوَاتِ، ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ: مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّهُ لابد مِنْ وُجُودِ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَنِصْفِهِ مِنْ وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِزُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ، وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ: لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ مُعْرِضٌ عَنْ الْفَرْضِ فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ.
وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيَّنٌ فِيهِ، فَيُصَابُ بِأَصْلِ النِّيَّةِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ، وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَزِيَادَةَ جِهَةٍ، وَقَدْ لَغَتْ الْجِهَةُ فَبَقِيَ الْأَصْلُ وَهُوَ كَافٍ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَالنِّيَّةُ مِنْ شَرْطِهِ) أَيْ مِنْ شُرُوطِ الصَّوْمِ بِأَنْوَاعِهِ.
(وَسَنُبَيِّنُهُ) أَيْ سَنُبَيِّنُ شَرْطَ الصَّوْمِ (وَتَفْسِيرُهُ) أَيْ تَفْسِيرُ ذَلِكَ الشَّرْطِ وَأَرَادَ بِبَيَانِ النِّيَّةِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ، وَأَرَادَ بِبَيَانِ تَفْسِيرِهِ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَالنِّيَّةُ لِتَعَيُّنِهِ لِلَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ النِّيَّةَ عِبَارَةٌ عَنْ تَعْيِينِ بَعْضِ الْمُحْتَمَلَاتِ فَكَانَ مَا ذَكَرَهُ تَفْسِيرًا لِلنِّيَّةِ، كَذَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ.
وَقَوْلُهُ (وَجْهُ قَوْلِهِ فِي الْخِلَافِيَّةِ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْخِلَافِيَّةِ وَهِيَ: أَنَّ النِّيَّةَ قَبْلَ الزَّوَالِ تُجْزِيهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ») وَالصِّيَامُ مَصْدَرٌ كَالْقِيَامِ.
وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ لَمَّا فَسَدَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ) ذَكَرَ فِي الْوَجِيزِ: الْغَزَالِيُّ يَجُوزُ نِيَّةُ التَّطَوُّعِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ قَوْلَانِ وَهَذَا بِشَرْطِ خُلُوِّ أَوَّلِ الْيَوْمِ عَنْ الْأَكْلِ.
وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ شُرَيْحٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ وَلَنَا «قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَمَا شَهِدَ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلَنَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ» وَهَذَا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ (وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ أَوْ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ) يَعْنِي: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ صِيَامَهُ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ نَوَى أَنَّ صِيَامَهُ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ قِيلَ: الصِّلَةُ إذَا تَعَقَّبَتْ فِعْلًا وَمَفْعُولًا وَأَمْكَنَ تَعَلُّقُهَا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ دُونَ الْمَفْعُولِ كَمَا يُقَالُ: أَتَيْت فُلَانًا مِنْ بَغْدَادَ، فَإِنَّ كَلِمَةَ «مِنْ» تَعَلَّقَتْ بِالْإِتْيَانِ لَا بِالْمَفْعُولِ كَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ مَا ذَكَرْنَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالنُّصُوصِ، قِيلَ: قَوْلُهُ «فَلْيَصُمْ» يَحْتَمِلُ الصَّوْمَ اللُّغَوِيَّ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ عَمَلًا بِالنُّصُوصِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ ذَلِكَ هَاهُنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الْأَكْلُ وَعَدَمُهُ سَوَاءً، فَلَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِهِ «وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ» قَوْلُهُ (وَلِأَنَّهُ) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ، وَيَجُوزُ تَقْرِيرُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَلَّمْنَا أَنَّ مَا رَوَاهُ لَيْسَ بِمَحْمُولٍ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا يَكُونُ مُعَارِضًا لِمَا رَوَيْنَاهُ فَيُصَارُ إلَى مَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُجَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَهُوَ مَعْنًى لِأَنَّهُ (يَوْمُ صَوْمٍ) لِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهِ فَرْضٌ وَكُلُّ مَا هُوَ يَوْمُ صَوْمٍ (يَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ وَهَذَا) أَيْ تَوَقُّفُ الْإِمْسَاكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا (لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ مُمْتَدٌّ) يَحْتَمِلُ الْعَادَةَ وَالْعِبَادَةَ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مَا يُعَيِّنُهُ لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ النِّيَّةُ فَإِنَّهَا شُرِطَتْ (لِتَعْيِينِهِ لِلَّهِ تَعَالَى) فَإِنْ وُجِدَتْ مِنْ أَوَّلِهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي أَكْثَرِهِ جُعِلَتْ كَأَنَّهَا وُجِدَتْ مِنْ أَوَّلِهِ، لِأَنَّ بِالْكَثْرَةِ تَتَرَجَّحُ جَنَبَةُ الْوُجُودِ عَلَى الْعَدَمِ، فَإِنَّ الْأَكْثَرَ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِحَالِ الشُّرُوعِ شَرْطًا (بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ) حَيْثُ يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ النِّيَّةِ بِحَالِ الشُّرُوعِ فِيهِمَا وَلَا يُجْعَلُ الْأَكْثَرُ كَالْكُلِّ (لِأَنَّ لَهُمَا أَرْكَانًا) مُخْتَلِفَةً كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ (فَيُشْتَرَطُ قِرَانُهَا بِالْعَقْدِ عَلَى أَدَائِهِمَا) لِئَلَّا يَخْلُوَ بَعْضُ الْأَرْكَانِ عَنْ النِّيَّةِ، وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ الْقَضَاءِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: لَوْ كَانَ الصَّوْمُ رُكْنًا وَاحِدًا مُمْتَدًّا وَالنِّيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ فِيهِ جَائِزَةً لِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضَاءِ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ، وَوَجْهُهُ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ (لِأَنَّهُ) أَيْ الْإِمْسَاكَ (يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ) وَالْمَعْنَى بِصَوْمِ الْيَوْمِ مَا تَعَلَّقَتْ شَرْعِيَّتُهُ بِمَجِيءِ الْيَوْمِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ مِنْ نَحْوِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ، فَيَكُونُ الصَّوْمُ قَدْ وَقَعَ عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ مِنْ الْقَضَاءِ إلَّا قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْهُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ.
وَقَوْلُهُ (وَبِخِلَافِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إذَا كَانَ رُكْنًا وَاحِدًا مُمْتَدًّا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ اقْتِرَانُهَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءً، وَوَجْهُهُ: أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِحَالَةِ الشُّرُوعِ، وَلَكِنْ تَرَكْنَا ذَلِكَ إذَا قَارَنَتْ الْأَكْثَرَ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْكُلِّ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيمَا بَعْدَ الزَّوَالِ (فَتَرَجَّحَتْ جَنَبَةُ الْفَوَاتِ) وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ) أَيْ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ: إذَا لَمْ يَنْوِ حَتَّى أَصْبَحَ أَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ (مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ) وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ) يَعْنِي فِي جَوَازِ النِّيَّةِ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ (خِلَافًا لِزُفَرَ) فَإِنَّهُ يَقُولُ: إمْسَاكُ الْمُسَافِرِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لِلصَّوْمِ الْفَرْضِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ، بِخِلَافِ إمْسَاكِ الْمُقِيمِ، وَلَنَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ جُوِّزَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ إقَامَةُ النِّيَّةِ فِي أَكْثَرِ وَقْتِ الْأَدَاءِ مَقَامَهَا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ قَالَ (وَهَذَا الضَّرْبُ مِنْ الصَّوْمِ إلَخْ) أَرَادَ بِهَذَا الضَّرْبِ مَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ بِعَيْنِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ (يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ) أَيْ بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْت الصَّوْمَ (وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ) ظَاهِرٌ.
(وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ) بِأَنْ يُنْوَى عَنْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قِيلَ: وَهَذَا فِي صَوْمِ رَمَضَانَ مُسْتَقِيمٌ، فَأَمَّا فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ فَلَا لِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ، ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ، فَحِينَئِذٍ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا الضَّرْبُ لَا يَبْقَى عَلَى إطْلَاقِهِ.
وَأَجَابَ شَيْخُ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ: بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مُوجِبُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَتَأَدَّى الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ، وَالْبَعْضُ بِالْبَعْضِ، وَالْبَعْضُ بِالْمَجْمُوعِ، لَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ يَتَأَدَّى الْمَجْمُوعُ فَيَظْهَرُ لِكَلَامِهِ وَجْهُ صِحَّةٍ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي نِيَّةِ النَّفْلِ عَابِثٌ) أَيْ لَا يَكُونُ صَائِمًا لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (وَفِي مُطْلَقِهَا لَهُ قَوْلَانِ) فِي قَوْلٍ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقَعُ عَنْهُ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ) دَلِيلٌ عَلَى النَّفْلِ أَيْ إنَّهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ (مُعَرَّضٌ عَنْ الْفَرْضِ) لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُغَايِرَةِ فَصَارَ كَإِعْرَاضِهِ بِتَرْكِ النِّيَّةِ (فَلَا يَكُونُ لَهُ الْفَرْضُ) وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ وَجْهُ أَحَدِ قَوْلَيْهِ فِي مُطْلَقِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مُعَرِّضًا بِهَذِهِ النِّيَّةِ فَيَجُوزُ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ أَنَّ صِفَةَ الْفَرْضِيَّةِ قُرْبَةٌ كَأَصْلِ الصَّوْمِ فَكَمَا لَا يَتَأَدَّى أَصْلُ الصَّوْمِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ الصِّفَةُ، وَإِذَا انْعَدَمَتْ الصِّفَةُ يَنْعَدِمُ الصَّوْمُ ضَرُورَةً.
(وَلَنَا أَنَّ الْفَرْضَ مُتَعَيِّنٌ فِيهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ فَلَا صَوْمَ إلَّا رَمَضَانَ» وَكُلُّ مَا هُوَ مُتَعَيِّنٌ فِي مَكَان يُصَابُ بِأَصْلِ النِّيَّةِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ بِأَنْ يُقَالَ: يَا حَيَوَانُ، كَمَا يُنَالُ بِاسْمِ نَوْعِهِ بِأَنْ يُقَالَ: يَا إنْسَانُ.
وَاسْمُ عَلَمِهِ بِأَنْ قَالَ: يَا زَيْدُ، لَا يُقَالُ الْمُتَوَحِّدُ فِي الْمَكَانِ إنَّمَا يُنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ إذَا كَانَ مَوْجُودًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يُوجَدُ بِتَحْصِيلِهِ فَكَيْفَ يُنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ لِأَنَّ كَوْنَهُ مَعْدُومًا لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ أَنْ يُنَالَ بِاسْمِ نَوْعِهِ بِأَنْ نَوَى الصَّوْمَ الْمَشْرُوعَ فِي الْوَقْتِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُنَالَ بِاسْمِ جِنْسِهِ دَفْعًا لِلتَّحَكُّمِ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ يَقْتَضِي الْإِصَابَةَ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ دُونَ نِيَّةِ النَّفْلِ أَوْ وَاجِبٍ آخَرَ لِأَنَّ الْمُتَوَحِّدَ يُنَالُ بِاسْمِ جِنْسِهِ لَا بِاسْمِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ زَيْدًا لَا يُنَالُ بِاسْمِ عَمْرٍو؟ أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا نَوَى النَّفَلَ أَوْ وَاجِبًا آخَرَ فَقَدْ نَوَى أَصْلَ الصَّوْمِ وَزِيَادَةَ جِهَةٍ وَقَدْ لَغَتْ الْجِهَةُ) لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَقْبَلُهَا (فَبَقِيَ الْأَصْلُ) إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ بُطْلَانِ الْوَصْفِ إذَا لَمْ يَكُنْ فَضْلًا مُنَوَّعًا بُطْلَانُ الْأَصْلِ وَأَصْلُ الصَّوْمِ جِنْسُهُ (وَذَلِكَ كَافٍ) وَمَوْضِعُهُ أُصُولُ الْفِقْهِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي الْأَنْوَارِ وَالتَّقْرِيرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا اُلْتُحِقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ وَتَخَيُّرِهِ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ.
وَعَنْهُ فِي نِيَّةِ التَّطَوُّعِ رِوَايَتَانِ، وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّهُ مَا صَرَفَ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ.
قَالَ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَصَوْمِ الْكَفَّارَةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ مِنْ الِابْتِدَاءِ (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) خِلَافًا لِمَالِكٍ، فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا.
وَلَنَا «قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذًا لَصَائِمٌ» وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ خَارِجَ رَمَضَانَ هُوَ نَفْلٌ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ عَلَى صَيْرُورَتِهِ صَوْمًا بِالنِّيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ وَيَصِيرُ صَائِمًا مِنْ حِينِ نَوَى إذْ هُوَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ، وَلَعَلَّهُ يَنْشَطُ بَعْدَ الزَّوَالِ إلَّا أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ، وَعِنْدَنَا يَصِيرُ صَائِمًا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ قَهْرِ النَّفْسِ، وَهِيَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِإِمْسَاكٍ مُقَدَّرٍ فَيُعْتَبَرُ قِرَانُ النِّيَّةِ بِأَكْثَرِهِ.
الشَّرْحُ:
(وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ) إنَّمَا ثَبَتَتْ (كَيْ لَا يَلْزَمَ الْمَعْذُورَ مَشَقَّةٌ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا اُلْتُحِقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: إذَا صَامَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ يَقَعُ عَنْهُ، لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ لِتَحَتُّمِهِ لِلْحَالِ) إذْ الْقَضَاءُ لَازِمٌ لِلْحَالِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ (وَتَخَيُّرُهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يُدْرِكْ عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.
حَتَّى إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْعَلَمَانِ فِي التَّحْقِيقِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ، فَإِنَّهُمَا قَالَا: إذَا نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ، فَأَمَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّ الرُّخْصَةَ فِي حَقِّهِ تَتَعَلَّقُ بِعَجْزٍ مُقَدَّرٍ قَامَ السَّفَرُ مَقَامَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ: وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَفْصِلُ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَتَسَاوَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ، اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَقَوْلُهُ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ (فِي نِيَّةِ التَّطَوُّعِ) مِنْ الْمُسَافِرِ (رِوَايَتَانِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ: يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ، (وَأَنَّهُ مَا صَرَفَ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ) وَهُوَ إسْقَاطُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَكْثَرُ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ: يَقَعُ عَمَّا نَوَى مِنْ النَّفْلِ، لِأَنَّ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ، وَنِيَّتُهُ فِي شَعْبَانَ تَقَعُ عَمَّا نَوَى نَفْلًا كَانَ أَوْ وَاجِبًا، فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا نَوَى عَنْ التَّطَوُّعِ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَقَالَ النَّاطِفِيُّ: قِيَاسُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى رِوَايَةِ نَوَادِرِ أَبِي يُوسُفَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَرِيضِ جَائِزًا عَنْ التَّطَوُّعِ.
قَالَ (وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ) وَالْمُرَادُ مِنْ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ كَوْنُهُ مُسْتَحَقًّا فِيهَا مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ لَهُ بِالْوَقْتِ قَبْلَ الْعَزْمِ عَلَى صَرْفِ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ (كَقَضَاءِ رَمَضَانَ) وَصَوْمِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْحَلْقِ وَالْمُتْعَةِ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ، وَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُطْلَقُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ (لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَعَيِّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ مِنْ الِابْتِدَاءِ).
وَقَوْلُهُ (وَالنَّفَلُ كُلُّهُ يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الزَّوَالِ) أَيْ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا (خِلَافًا لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» وَلَنَا «قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا كَانَ يُصْبِحُ غَيْرَ صَائِمٍ إنِّي إذًا لَصَائِمٌ» عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِهِ وَيَقُولُ: هَلْ عِنْدَكُنَّ مِنْ غَدَاءٍ؟ فَإِنْ قُلْنَ لَا, قَالَ: إنِّي إذًا لَصَائِمٌ», وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمَشْرُوعَ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا ذَكَرْنَا) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ: وَلِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمٍ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ) ظَاهِرٌ مِمَّا تَقَدَّمَ.